كورونا..لماذا لجأت السعودية للحلول الصعبة طواعية..؟ الكابوس الإيطالي في الحسبان

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

لا يزال فيروس كورونا المستجد يشكل أكبر التحديات التي مرَّت على البشرية في العقود الأخيرة؛ وذلك بعد أن حصد أرواح نحو 7 آلاف مريض من إجمالي 181 ألف حالة تقريبًا.



وعلى الرغم من الأخبار المبشِّرة القادمة من الصين بقرب السيطرة على الفيروس إلا أنه في الوقت نفسه ما زالت الأخبار السيئة تأتي من القارة العجوز بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية أوروبا بؤرة جديدة للمرض؛ إذ سجلت إيطاليا نسبة وفيات 4 %، وهي أعلى نسبة على الإطلاق منذ بدء تفشي المرض.

وفي الوقت نفسه ما زالت حكومات الدول تفرض ما باستطاعتها من قيود وإجراءات وقائية واحترازية للحد من حركة الفيروس سريع الانتشار، وعدم تفشيه بصورة خارجة عن السيطرة. وهنا تبرز الإجراءات التي اتخذتها السعودية منذ بداية الأزمة من بين الأشجع والأكثر حرصًا؛ وذلك باتخاذها تدابير احترازية شجاعة قبل أن يتفاقم الوضع حرصًا على صحة وسلامة المواطنين والمقيمين وزوار السعودية من الجنسيات المختلفة.

فقد فطنت السعودية منذ بداية الأزمة إلى خطورة الوضع؛ فشكَّلت لجنة لإدارة الأزمة برئاسة وزير الصحة قبل اكتشاف أية حالات؛ وذلك لمتابعة مستجدات وتطورات الفيروس في السعودية والعالم، ولجأت للحلول الصعبة طواعية بدلاً من أن تضطر إليها في حال تفاقم الأزمة -لا قدر الله-.

وبالرغم من التداعيات الاقتصادية المحتملة، اتخذت السعودية عددًا من القرارات المشددة الشجاعة، منها تعليق العمرة في الداخل والخارج، ووقف الرحلات مع عدد من الدول، وذلك قبل اكتشاف أية حالات على أراضي السعودية، في حين كانت الكثير من الدول الأوروبية –بالرغم من اكتشافها حالات كورونا- ما زالت تسيِّر رحلات دولية مع الصين مصدر الوباء!

لماذا لجأت السعودية إلى الحلول الصعبة طواعية؟

أدركت حكومة السعودية منذ الوهلة الأولى الكلفة الباهظة لتفشي وباء على أراضيها -لا قدر الله- اجتماعيًّا واقتصاديًّا ونفسيًّا، وفي المرتبة الأولى حياة الإنسان كأولوية قصوى لديها؛ باعتباره أهم مكون من مكونات المجتمع. كما أدركت أنه في حال لم تتخذ الحلول الصعبة في الوقت المناسب فإن التكلفة ستكون باهظة، وغير قابلة للتدارك. ولنا في إيطاليا وإسبانيا المثال.

لذلك اتخذت السعودية جملة من الإجراءات المشددة لتُجاري بها خطورة الموقف، ووتيرة وسرعة انتشار الفيروس، الذي لم يُتوصل إلى علاج له، أو لقاح يمنع الإصابة به حتى الآن. ومن ذلك تعليق رحلات الطيران، وتعليق الدراسة، وتعليق الأعمال الحكومية غير الحيوية… إلخ؛ حتى لا تضع نفسها في مواقف أكثر صعوبة، وتضطر وقتها لاتخاذ إجراءات مؤلمة، وأكثر شدة.

لنا في إيطاليا عبرة

سُجِّلت إيطاليا بوصفها أكبر بؤرة لفيروس كورونا المستجد بعد الصين؛ وذلك بعد أن أزاحت كوريا الجنوبية من المرتبة الثانية. ففي أقل من شهر تحولت إيطاليا من وجود ثلاث حالات فقط من الفيروس التاجي إلى أكبر عدد من الحالات والوفيات خارج الصين؛ لتسجل حتى الآن نحو 28 ألف حالة إصابة، من بينهم أكثر من ألفَي وفاة، وهو معدل وفيات أعلى من المتوسط بنسبة 4 %.

يرجع اكتشاف أولى حالات الفيروس في إيطاليا إلى أواخر يناير، وعندها تم حجز الحالات في أحد مستشفيات روما، وتتبُّع المخالطين لهم، وقطع الرحلات الجوية مع الصين، والسيطرة على الأمر؛ وهو ما دعا رئيس الوزراء الإيطالي للقول بثقة: “إن نظام الوقاية الذي وضعته إيطاليا هو الأكثر صرامة في أوروبا”. ولكن في الواقع كان الفيروس ينتشر سريعًا في شمال إيطاليا دون أن يلاحظه أحد.

وفي الوقت نفسه كان السياح يملؤون الأرجاء في إيطاليا مستبيحين المطارات الإيطالية دخولاً وخروجًا دون تقييد أو تشديد. كما دفعت كلمات رئيس الوزراء الإيطالي الناس إلى الثقة والاستهانة بالفيروس؛ باعتباره مثل الإنفلونزا؛ لا يشكل خطورة كبيرة، ولا يستحق الضجة المثارة؛ فكان الازدحام الاعتيادي في كل مكان، والتجمعات تعم الأرجاء.. فإيطاليا إحدى أهم الدول السياحية، والأكثر نشاطًا سياحيًّا.

كما ظهر -بحسب وسائل إعلام عالمية- سوء فَهم خطير بسبب البروتوكولات بين حالات الأمراض التنفسية وكورونا، وبين هل يجب فحص مَن يشكو من بعض الأعراض، أم قصر ذلك فقط على من له روابط ما بالصين؛ وهو ما ساعد في انتشار الفيروس بصورة واضحة.

وكان من نتيجة عدم أخذ الأمور على محمل الجد، سواء حكوميًّا أو شعبيًّا، انتشار الفيروس بصورة مرعبة في البلاد؛ وهو ما دعا الحكومة إلى إغلاق البلاد، ووضعها تحت الحجر، وتغيَّرت نبرة الثقة التي كانت تسيطر على رئيس الوزراء الإيطالي بعد التشديدات الكبيرة التي قامت بها الحكومة، منها إلغاء فعاليات وأنشطة رياضية وثقافية وفنية… إلخ؛ وهو ما دفعه للقول: “يجب علينا جميعًا التخلي عن شيء ما لصالح إيطاليا. لم يعد هناك وقت”.

الصورة الأكثر بشاعة

الصورة الأكثر بشاعة تتجسد في انهيار النظام الصحي في إيطاليا تحت وطأة الزيادة المطردة في الحالات؛ ويعكس ذلك التصريحات الصادمة لمدير الصحة في عيادة للمسنين في لومباردي، لورينزو كاساني، لمجلة “التايم” الأمريكية؛ إذ قال: “في لومباردي الآن ليس لدينا أسرَّة في وحدات العناية المركزة”. وأضاف بأن الأطباء “عليهم أن يتخذوا هذا الاختيار المرعب، ويقرروا من سيبقى ومن لن يعيش. من سيحصل على جهاز مراقبة وجهاز تنفس واهتمامهم، ومن لن يحصل”!

ووفقًا للتقديرات الأولية، يمكن أن تخسر إيطاليا نحو 8.3 مليار دولار من عائدات السياحة بسبب فيروس كورونا. ومن المرجح أن تشهد الصناعات المرتبطة، مثل الفنادق والمطاعم، انخفاضًا كبيرًا في الأعمال بسبب التأثيرات الضارة مع إغلاق البلد بأكمله، كما من المرجح أن يكون التأثير على الصناعات أعمق بكثير من التقديرات الأولية.

وتتوقع إيطاليا أن ينتج عن “كورونا” انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لمدة شهرين على الأقل؛ إذ أعلنت الحكومة تخصيص إنفاق بنحو 28.3 مليار دولار للتعامل مع تأثير الفيروس التاجي.

ليست أفضل حالاً

وفي إسبانيا الأمور ليست أفضل حالاً؛ إذ تأتي في المرتبة الرابعة عالميًّا، والثانية أوروبيًّا، بنحو 9600 حالة، من بينهم 342 وفاة. ودفع أيضًا تأخُّر اتخاذ الإجراءات المشددة إلى ارتفاع الحالات بزيادة مطردة.

ففي الأسبوع الماضي خرج نحو 120 ألف شخص في العاصمة الإسبانية مدريد للاحتفال باليوم العالمي للمرأة، كما تجمع ما يقرب من 60 ألف مشجع في أضخم ملاعب كرة القدم في مدريد، وتجمع 9 آلاف مناصر لفوكس، ثالث أكبر الأحزاب في إسبانيا، في حلبة سابقة لمصارعة الثيران.

وتأخرت إسبانيا كثيرًا في فرض التدابير التي تحجم من انتشار الفيروس؛ إذ أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز مساء السبت الماضي في خطاب، نقله التلفزيون، فرض حجر صحي شبه كامل في البلاد لكبح انتشار فيروس كورونا المستجد؛ وبالتالي لن يُسمح للسكان بالخروج من منازلهم إلا للتوجه إلى مكان العمل، أو لضرورات أخرى، أبرزها شراء الطعام.. وهو ما اعتبره البعض إجراء تأخَّر كثيرًا بعد تفشي المرض بين المواطنين والمقيمين.

‫0 تعليق